وها هم أولاء سادة القوم، وأصحاب الكلمة فيهم، والسلطان عليهم، يتصدّون لشعيب، ويقفون لدعوته بالمرصاد، إذ كانت هذه الدعوة تنزلهم من النّاس منزلة الآدميين، لا الآلهة المتسلطين، وتغلّ أيديهم عن هذا الكسب الحرام الذي يغتالون به حقوق الضعفاء، ويمتصون به دماء الفقراء ...
وإنه لو قدّر لشعيب أن يمضى بدعوته إلى غايتها، لسدّ على هؤلاء السّادة منافذ البغي والعدوان، ولما بقي لهم في الناس هذا السلطان المبسوط لهم على رقاب العباد.
ولا يكتفى هؤلاء السادة أن يعرضوا عن شعيب وعن دعوته، بل إنهم يجاوزون هذا إلى تهديده ووعيده بأن يخرجوه من بينهم، هو ومن آمن معه، إن لم يرجع عمّا هو فيه، وإن لم يعد إلى حاله الأولى قبل أن يطلع عليهم بتلك الدعوة التي يدعوهم إليها.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:
إنها لقريتهم! هكذا يقولونها صريحة في غير مواربة.. «قريتنا» بحالها التي هى عليها، وبكل ما كان يموج فيها من ظلم وفساد.. أما شعيب والذين آمنوا معه، فهم شىء غريب، دخل على هذا الكيان الفاسد، وهم دواء مرّ يأبى أن يقبله هذا الجسد العليل..
وينكر شعيب على هؤلاء السفهاء من قومه أن يدعوه إلى تلك الدعوة المنكرة.. إنه يدعوهم إلى الحق والخير، وهم يدعونه إلى الضلال والهلاك،