ومنه قوله صلى الله عليه وسلّم «احفوا الشوارب واعفوا اللّحى» أي قصّروا الشوارب، وأطيلوا اللّحى، أي اتركوها حتى تنمو أصول الشعر، وتطول.
وفى قوله تعالى:«وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ» إشارة إلى أنهم أدركوا ورشدوا، وعرفوا ما حلّ بآبائهم من شر وخير.. وفى هذا إشارة أيضا إلى أن الله قد أمهلهم حتى تتابعت أجيم، وكثرت مواليدهم، ونمت أموالهم، وكان لهم بعد الآباء آباء.. وهذا هو السرّ فى تقديم الضّراء على السّرّاء هنا..
فالضراء هى ما أصيب به القوم الهالكون من آبائهم الأولين، والسرّاء هى النعم التي أفاضها الله على آبائهم الأقربين.. فهم فى نظرتهم إلى الوراء يرون على مسيرة الماضي وجهين من وجوه الحياة، تغايرا على موطنهم الذي هم فيه..
يرون آباء لهم كانوا فى نعمة من الله، وعافية من البلاء، فكفروا بأنعم، وعصوا رسله، فأخذهم الله بالبأساء والضرّاء، وآباء خلفوا هؤلاء الآباء فألبسهم الله لباس النعمة والأمن ولم يبلهم بعد حتى يعلم ما عندهم من إيمان أو كفر..
وهؤلاء الآباء، هم وأبناؤهم هؤلاء، لم ينتفعوا بهذه المثلات التي حلّت بآبائهم الأولين، إذ حين ابتلاهم الله، وبعث فيهم رسله، كفروا بنعم الله، ومكروا بها، وأخذوا الطريق الذي أخذه أسلافهم مع رسل الله الذين بعثهم الله فيهم.
وهذه هى سنّة الله فيهم، كما هى فى آبائهم.. الهلاك والدمار للقوم الظالمين.. وفى هذا يقول الله تعالى:«فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ..»
وفي النظم القرآنى إعجاز الحذف، الذي دل عليه ما سبق.. والتقدير:
«حَتَّى (إذا) عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ» (أرسلنا إليهم رسولا كما أرسلنا إلى آبائهم رسولا، فكذبوه، وسخروا منه، وتوعدوه)«فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ» .