النهار- عند الضحى- وقد اكتملت أسباب الحياة، واليقظة للناس، وللحياة من حولهم، وعندئذ يشهدون الهلاك عيانا، وهم في أحسن أحوالهم من الاتصال بالحياة، والأخذ بكل قواهم، مما يطلبون ويشتهون منها..
وكلا الضربتين من ضربات النقمة والبلاء، تجىء فى وقت يجعل أثرها مضاعفا، ووقعها مزعجا، بالغ الغاية في الإزعاج.
إن النائم الذي استغرق فى النعاس، لتزعجه الهمسة تطوف به، حتى ليخيل إليه منها أنها صوت رعد قاصف، أو هدير إعصار ثائر.. فكيف إذا كان ذلك بلاء نازلا من السماء يرمى بحجارة من سجيل، أو عذابا فائرا من الأرض يرمى باللهب، ويقذف بالحمم.
وإن الإنسان الذي لبس ثوب النهار، واستروح أنسام الصباح، واستحضر كل وجوده ليتصل بالحياة، وليقيم وجهه على ما يشتهى منها، ويمسك بكلتا يديه على ما يقدر عليه من لهوها وجدّها- إن مثل هذا الإنسان ليكرب أشدّ الكرب أن يعرض له فى تلك الحال ما يقطع عليه حبل اتصاله بالحياة، أو يلفته عن طريقه الذي أخذه معها- فكيف إذا كان ذلك بلاء مدمرا يهلك الحرث والنسل، ويطوى السهل والوعر، ويأتى على كل ما جمع الجامعون، وملك المالكون؟
وانظر إلى أهل القرى، وهم نائمون.. ثم انظر إليهم وقد جاءتهم الضربة القاضية، فإذا هم بين يديها قيام ينظرون، وكأنهم أصحاب القبور، يوم ينفخ فى الصور فيقولون: يا ويلنا.. من بعثنا من مرقدنا؟