للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاحتيال على التخلص من هذه البلوى التي ابتلاهم الله بها.. فهناك أمّة منهم، أي جماعة أرادت أن تنصح للقوم وتدعوهم إلى الصبر على حكم الله فيهم، فقامت جماعة أخرى تحاجّ تلك الجماعة، وتدعوها إلى أن تترك القوم وشأنهم، ليلقوا المصير الذي أعدّه الله لهم، وقالوا: «لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ» فى الدنيا «أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً» في الآخرة؟ وقد ردّت عليهم الجماعة التي أرادت أن تنصح وترشد بقولها: «مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» أي إنما ننصح لهم لئلا يكون لهم على الله حجة، ولعلّ فى هذا النصح ما يذكرهم بالله، وبانتقامه من المعتدين، فيفيئوا إلى الرشد والهدى..

وانظر كيف يمكر القوم بعضهم ببعض؟ وكيف يضنّ بعضهم على بعض حتى بالكلمة التي تنبّه إلى الخطر، وتوجّه إلى السلامة؟

إن هذا الجدل الذي ذكره القرآن هنا، إنما هو بين أهل العلم والرأى فيهم، فقد انقسم هؤلاء إلى فريقين: فريق يريد أن ينصح ويرشد، وفريق يعترض هذا العمل، ويقول بعدم جدواه، وأن يترك القوم لمصيرهم المشئوم! «فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ» .

وقد مضى الناصحون فى طريقهم ينصحون ويدعون إلى التزام أمر الله فى حرمة السبت، ولكن القوم ظلّوا على ما هم فيه من بغى وعدوان.

أما الذين نصحوا، وكانوا ينهون عن السوء فقد نجاهم الله، وأما الذين ظلموا واعتدوا فأخذهم الله بعذاب بئيس، أي قاهر مذلّ.. بما كانوا يفسقون..

«فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ» .

العتوّ: مجاوزة الحدّ فى البغي والعدوان، والخروج عن حدود الله فى غير تحرّج.

فقد بغى القوم أولا، فاعتدوا على حرمات الله، فى خوف وحذر.. فأخذهم

<<  <  ج: ص:  >  >>