ولقد جاءت الشرائع- كما جاءت القوانين الوضعية- لترسم للناس الحدود، وتوضح المعالم، بين الخير والشر، والحق والباطل، ولترصد العقاب الرادع لمن استخفّ بهذه الحدود وعبث بتلك المعالم.
فقوله تعالى:«وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ» هو كشف عن وجه من وجوه تلك الشريعة السمحاء، وأنها شريعة إنسانية فى صميمها، تحترم الوجود الإنسانى، وتلتقى بالناس وتتعاطف معهم، فيكون حسابهم عندها قائما على طبيعتهم، وما ركّب فيهم من غرائز، وما استقرّ فيهم من عواطف ومشاعر.
فالمعروف، هو ما تتعرف إليه النفوس الطيبة، وتتفتح له الفطر، السليمة، فيقع منها موقع الرضا والقبول، ويصبح من المعروف لها، والمألوف عندها..
وفرق كبير بين ما يتعارف عليه الناس من أهواء، وبدع، ومنكرات، وبين ما يتعارفون عليه من حق، وبر، وخير..
فما كان من واردات الأهواء والبدع والضلال، فإنه وإن فشا فى الناس، وغلب على عامّتهم، هو قلق فى مكانه، غريب فى موضعه، حتى عند أهله المتعاملين به، والمتعاطفين معه.. ذلك أن من يركب الشرّ يعلم أنه على غير الطريق السوىّ، وأنه قائم على منكر، يتطلع إلى اليوم الذي يقهر فيه أهواء نفسه، ودواعى نزواته، ليأخذ طريقه مع الحق والخير، والإحسان..
ومن هنا، كان «الإجماع» فى الشريعة الإسلامية أصلا من أصول الشريعة، ومادة من مواد التشريع لهذه الأمة التي اصطفاها الله سبحانه، لتكون محمل الرسالة الخاتمة لرسالات السماء، إذ كانت كما أرادها الله، «خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» .. وهذا ما يشير إليه قول الرسول الكريم: