والجهاد فى سبيل الله، والانتظام فى صفوف المجاهدين، والإقدام على ملاقاة الأعداء، والتعرض لمواجهة الموت- ذلك كله يحتاج إلى رصيد عظيم من الصبر والإيمان.. ولهذا جاءت دعوة الله إلى الجهاد فى سبيل الله، بعد دعوته إلى الاستعانة بالصبر والصلاة، على المحن والشدائد.
والجهاد فى سبيل الله، محفوف دائما بالبذل والتضحية.. بذل المال، وتضحية النفس، والأهل والولد.
والابتلاء بفقد الأحباب- ولو كان فى سبيل الله- شاق على النفس، أليم وقعه على الأحياء، ولهذا لم يكن الفيء إلى الصبر والصلاة- مهما كان شأنهما- بالذي يقهر نوازع الحزن، ويذهب بلواعج الأسى فى هذا المقام..
ولهذا جاءت تلك المواساة الكريمة الرحيمة من رب العالمين، لتمسح بيد الرحمة على ما بقلوب المبتلين بفقد أحبابهم، والمصابين باستشهاد أهليهم، من آلام وأحزان، فهؤلاء الشهداء- كما يخبر رب العالمين- ليسوا بالأموات، وإنما هم أحياء. فى أطيب منزل، وعند أرحب جناب:«عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ»(١٧٩- ١٧٠: آل عمران) إن لهؤلاء الشهداء شأنا آخر عند الله غير شأن غيرهم ممن ينقلون من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة.. فهم أحياء عند ربّهم وإن كنا لا نشعر بحياتهم، هم فى عالم ونحن فى عالم، وبين العالمين حجاز.. وحسب المؤمن أن يتلقّى هذا الخبر عن الله تعالى فيعلم، عن يقين أن الشهداء أحياء، يلبسون صورة للحياة أكرم وأبقى من الحياة التي كانوا عليها.. وهم فى نعيم لا يقاس به أي نعيم ينعم به المنعمون فى هذه الدنيا.