أن يواجه النّاس، وأن يجاهد فى سبيل الحقّ الذي عرفه، وآمن به، فيكون حربا على المنكر، بقلبه، ولسانه، ويده..
ومن هنا كان الصبر قرين الحقّ فى كل دعوة يدعو إليها الإسلام، فى مجال الخير، والإحسان، وفى كل ما من شأنه أن يقيم الإنسان، والإنسانية، على صراط مستقيم..
ففى الدعوة إلى الصفح والمغفرة ودفع السيئة بالحسنة، يكون الصبر هو عدّة من يمتثلون هذه الدعوة، ويقدرون على الوفاء بها، إذ يقول الله تعالى:«ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» ثم يقرن- سبحانه- تلك الدعوة بقوله تعالى:«وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ»(٢٤- ٢٥: السجدة) .
وفى تنبيه الإنسان إلى الخطر الذي يتهدّده من تسلّط أهوائه، ووسوسة شيطانه، حيث يقول سبحانه:«وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ» لا يستثنى- سبحانه وتعالى- أحدا من الصيرورة إلى هذا المصير «إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ»(سورة العصر) .
وفى قوله تعالى:«كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ» - فى هذا إشارة إلى ما وقع فى نفوس فريق من المؤمنين- لا كل المؤمنين- من مشاعر الكراهية، حين عدل بهم عن وجهتهم التي اتجهوا إليها لاقتناص العير، والاستيلاء على ما تحمل من مال ومتاع، إلى حيث يلقون قريشا وجيشها الجرار فى ميدان القتال.. ولهذا كان منهم هذا الجدال الذي تعللوا به للنكوص عن لقاء العدوّ، فقال قائلهم: ما خرجنا للقتال، ولا أخذنا أهبتنا له، ولاصحبنا إخوانما الذين خلفناهم وراءنا إليه!