النعاس، الذي يذهب بكثير من خواطر الجزع والقلق، ويكسب على كيان الإنسان الجسدى، والنفسي راحة وروحا، يستقبل بهما العدوّ، وهو أكثر نشاطا، وأثبت قدما، مما لو كان قد بات ليلة الحرب يعالج الهموم، ويحارب فى غير حرب، حتى يبدّد قواه، ويستهلك نشاطه، فيلقى العدوّ مهدّما محطّما..
وهذا النعاس- الذي غشى المسلمين- إنما كان ليلة الحرب، لا فى ميدان القتال، كما يرى ذلك بعض المفسّرين.. فإن النعاس مطلوب قبل الالتحام فى القتال، لا ساعة الالتحام، لأنه إعداد «للمعركة» وزاد من الاستجمام والنشاط يتزود به المقاتل.. أما وقوعه والمعركة دائرة والقتال محتدم، فهو عامل من عوامل الخذلان، لا عدّة من عدد النّصر..
والذي يؤيد أن هذا النعاس كان ليلة الحرب، وأنه كان نعمة من النعم التي ساقها الله للمؤمنين فيما ساق إليهم من نعم- الذي يؤيد هذا، أنه وصل بنعمة أخرى، صحبته، أو جاءت بعده، وهو نزول المطر فى تلك الليلة، كما يقول الله تعالى:«إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ» .
هو بيان لما ساق الله إلى المسلمين يوم بدر من أمداد نصره وتأييده..
فإلى جانب الملائكة المرسلة إليهم، كان النعاس الذي غشّاهم الله به، فطرقهم جميعا.. ثم كان هذا المطر الذي نزل عليهم، فتطهروا به من الحدث الأكبر والأصغر، فكانوا على طهارة ظاهرة، تلتقى مع طهارة نفوسهم، وصفاء