وإذا كان الله سبحانه هو الذي مكّن للمسلمين من عدوهم، ومنحهم هذا النصر، فما ذلك إلا «لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً» حيث أعطاهم أجر هذا العمل العظيم، الذي هو فى حقيقة الأمر لم يكن لهم يد فيه، فلو جرت الأمور على ظاهرها لكانت الدائرة عليهم، ولكان القتل والبلاء فيهم.. فليذكروا هذا، وليتزودوا منه يزاد الإيمان بالله، وعقد العزم على الجهاد فى سبيله..
وفى وصف البلاء بأنه حسن إشارة إلى الوجه الآخر من وجوه الابتلاء وأنه قد يكون غير حسن كما يقول الله:«وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً»(٣٥: الأنبياء) .
فقد عافى الله المؤمنين من أن يبلوا بالقتل، وأن يمتحنوا بالأسر، فذلك مما يبتلى الله به المؤمنين، ويجزيهم عليه.. ولكن رحمة الله بالمؤمنين فى هذا الموقف الذي يلقون فيه الشرك لأول مرة، وينتصرون فيه لأنفسهم- جعلت الابتلاء بالخير دون الشر، وبالعافية دون البلاء.. فظفروا وانتصروا، وسلموا، وغنموا.. ورجعوا بالحسنيين جميعا.. المغانم فى الدنيا، والجنة ونعيمها فى الآخرة.
الإشارة هنا إلى ما لله سبحانه وتعالى من رعاية لأوليائه، وتمكين لهم من أعدائهم.. فأولياؤه، المجاهدون فى سبيله، هم أبدا محفوفون بنصره وتأييده، وأن ما يكيده الكافرون لهم لا يصل إليهم، إلا واهيا، ضعيفا، متخاذلا..