الشيطان إلى الوراء، يمشى القهقرى، وهو ينظر إليهم كما ينظر الغريم إلى غريمه وقد أوقعه فى حفرة، وتركه لمصيره الذي ينتظره.
«وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ» إنها أحجار يقذف بها الشيطان فى وجه القوم بعد أن ألقى بهم فى هذه الحفرة..
إنه برىء مما حلّ بهم، أو سيحلّ من بلاء، يراه قبل أن يروه.. فلقد رأى الملائكة تأخذ مكانها فى ميدان المعركة مع المسلمين، وإن ذلك ليعنى عنده أن القوم قد أصبحوا فى الهالكين..!
وهكذا يتبرأ الشيطان منهم، كما يتبرأ من فعلته التي فعلها بهم.. إنه يخاف الله، ويخاف ما يحلّ به من عقاب الله، وإنه لعقاب شديد! والسؤال هنا:
كيف يعلن الشيطان أنه يخاف الله، ويخشى عقابه الشديد، وهو قائم على عصيان الله ومحادّته، بفتنة الناس، وإغوائهم بالضّلال، وصدهم عن سبيل الله؟ أهذا يكون ممن يعترف بالله، ويخشى عقابه؟
والجواب: أن الشيطان معترف بوجود الله، مؤمن بسلطانه وسطوته، ولكنه مبتلى بعصيان الله فى بنى آدم وإغوائهم، وإفساد ما بينهم وبين الله..
هكذا كان قضاء الله، فيما بينه وبين آدم، وذرية آدم..
لقد عصى الله إذ أمره بالسجود لآدم..
فكان أن لعنه الله، وطرده من مواقع رحمته، ومواطن رضوانه..
ومن هنا بدأ إبليس ينتقم لنفسه من آدم وذريته، إذ كان بسببه، هذا الذي أنزله الله به من عقاب.