وهكذا يقضى الله سبحانه وتعالى بين إبليس وبين أبناء آدم. يغريه بهم، ويسلطه عليهم، ليخزيه آخر الأمر، وليريه من أبناء آدم ما يزيده حسرة وحزنا، فيما يرى مما لله فى أبناء آدم من أصفياء وأولياء، أنزلهم منازل رضوانه، وفتح لهم أبواب جنّاته، يلقون فيها ما أعدّ لهم من نعيم مقيم..
وفى هذا يقول الله تعالى: «إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (٤٢: الحجر) ..
فإذا كان لإبليس أولياء من بنى آدم، يؤدّى فيهم رسالته الضالّة المفسدة، فإن فى أبناء آدم من يقف له بالمرصاد، ويلبسه لباس الذلة والخزي! وعلى هذا، فإن الشيطان إذ يغوى الغاوين من أبناء آدم، وإذ يدفع بهم إلى مواطن الضلال- إنما يؤدى رسالته التي تخيّرها لنفسه فيهم، وهو يعلم أنه على عصيان لله، فيما يأتيه مع أبناء آدم من إغواء وإضلال.. ولكنه- مع هذا- لا يملك من نفسه أن يردّها عن هذا الاتجاه الذي اتخذته، بحكم سابق، وقضاء نافذ.. فهو- والحال كذلك- يؤدّى رسالة الشرّ فى أبناء آدم، كما يؤدّى الأنبياء رسالة الخير فيهم، وللشيطان أولياؤه وأتباعه، كما للأنبياء أولياؤهم وأتباعهم..
ومن جهة أخرى، فإن الشيطان- لحكمة أرادها الله- مغطّى على بصره، لا يرى الشرّ الذي يزرعه فى أبناء آدم، حتى ينبت، ويزهر، ويثمر..
وهنا يدرك أنه اقترف الإثم، ووقع فى المعصية.. وهنا أيضا يري عقاب الله الراصد له، جزاء ما اقترف من آثام.. وفى هذا بلاء عظيم، وعذاب أليم، وتلك هى لعنة الله التي حلّت بإبليس.. يعمى عن الشرّ فيقع فيه، حتى إذا وقع فيه أبصره وتحقق منه، وجنى الحسرة والندامة مما غرس بيديه!