هو إعلان بقطع العلائق التي كانت تصل المؤمنين بالمشركين، من عهود ومواثيق.. وذلك لما أحدث المشركون من عبث بهذه العهود، واستخفاف بها، إذ أنهم كانوا لا يمسكون بها إلا إذا وجدوا فى ذلك مصلحة محققة لهم، فإذا أمكنتهم الفرصة فى المسلمين أنكروا هذه العهود، وألقوا بها كما تلقى نفايات الطعام بعد الشبع! وإذا كان أحد الطرفين المتعاقدين لا يوقّر ما تعاقد عليه، ولا ينزله من نفسه منزلة الاحترام والرعاية، ولا يستقيم عليه إلا إذا لم يكن له من ذلك مصلحة خاصة- كان ذلك العقد غبنا فاحشا على الطرف الآخر، الملتزم له، الحريص على الوفاء به، حيث تمكنه الفرصة فى عدوّه فلا يهتبلها، على حين لو أمكنت الفرصة خصمه لم يلتزم العقد الذي بينهما..
فكان نقض هذه العهود القائمة بين المسلمين والمشركين وضعا للأمر فى موضعه الصحيح، إذ هو إقرار لحقيقة واقعة، ونقض لعهود منقوضة من قبل أن يجفّ المداد الذي كتبت، ولا ينتظر المشركون لنقضها إلا الوقت المناسب، والفرصة السانحة..
وقد تولّى الله سبحانه وتعالى عن المسلمين نقض هذه العهود، وجعل سبحانه وتعالى ذلك إليه وإلى رسوله الكريم:«بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» وذلك ليدفع عن المسلمين الحرج الذي ربما وجدوه فى صدورهم لو أمروا بنقض هذه العهود.. وفى هذه ما فيه من لطف الله وإحسانه إلى المسلمين، ورعايته لهم، وبرّه بهم.
والبراءة من الشيء، والتبرؤ منه، هو مجافاته، وقطع الصلة به، والله سبحانه وتعالى، إنما يبرأ من المشركين، لأنهم برئوا منه.. ومعنى براءته سبحانه وتعالى منهم، طردهم من رحمته، وتركهم للأهواء والضلالات المتسلطة عليهم.. أما براءة رسول الله منهم، فهى قطع العلاقة التي كانت قائمة بينه