- جاء منبّها المسلمين إلى ما قد يدخل عليهم من مشاعر القرابة نحو أهليهم الذين خلّفوهم وراءهم من المشركين.. تلك المشاعر التي قد تبلغ حدّ الجور على حقّ المسلمين على المسلم، من إخاء وموالاة.
وفى الآية الكريمة أمران، نحبّ أن نقف عندهما:
أولهما: أن النهى ورد مقصورا على الآباء والإخوان، ولم يذكر غيرهم من ذوى القربى، وخاصة الأبناء، الذين هم أقرب قرابة من كل قريب.. فلم هذا؟
وما حكمته؟
والجواب على هذا- والله أعلم- أن المخاطبين بهذه الآية هم المهاجرون والأنصار، الذين سبقوا إلى الإسلام، وخلّفوا وراءهم أهلا وعشيرا..
وهؤلاء الذين سبقوا إلى الإسلام- من المهاجرين والأنصار- لم يتخلّف وراءهم غالبا إلا آباؤهم وإخوانهم.. إذ أبى الآباء أن يتابعوا أبناءهم، أنفا وكبرا، كما أبى الإخوة أن ينقادوا للسابقين من إخوانهم، حمية وحسدا.. أما الأبناء فقلّ منهم من أسلم آباؤهم ثم لم يتابعونهم ويقفوا أثرهم.. فلما دخل هؤلاء المتخلفون فى الإسلام، دخله كثير منهم بقلب مريض، ونفس متكرهة.
وعلى هذا، فإن الصورة التي كان عليها المؤمنون يومئذ، هى: أن كثيرا منهم دخل فى الإسلام تاركا وراءه أبويه وإخوته، أو أحد أبويه وبعض إخوته، وقليل منهم من دخل فى الإسلام، ولم يدخل معه أبناؤه.. ومن أجل هذا كان النهى عن موالاة هؤلاء الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم- كان النهى متجها إلى هؤلاء الآباء والإخوة، دون الأبناء، الذين كانوا- بصفة عامة- مع آبائهم..
وثانى الأمرين: أن النهى لم يتناول المشاعر، والأحاسيس التي يجدها المسلمون نحو آبائهم وإخوانهم من المشركين، وإنما جاء واقعا على الولاء والإيثار، وتغليب مصلحتهم على مصالح المؤمنين، فهذا هو الذي نهى عنه