للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذين يجمعون ما يجمعون من مال، أخذوه بالباطل من أتباعهم، وجعلوه لأيديهم، لا ينفقون منه فى وجه من وجوه الخير العام، بل يجمعون هذا المال ويكدسونه، لا لغاية إلا حبّ التملك والاقتناء..

وفى قصر الاكتناز على الذهب والفضة، إشارة إلى أنهما النّقدان اللذان ترجع إليهما جميع العاملات، وتوزن بهما كلّ قيم الأشياء..

وقوله تعالى: «يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ» هو بيان لهذا المصير المشئوم الذي سيصير إليه هذا المال الكثير يمن اكتنزوه.. وأنهم إذ خلّفوه وراءهم، فلم ينفقوه فى سبيل الله، فإنه قد تبعهم إلى آخرتهم، ليلقاهم هناك فى يوم القيامة، حيث لا بيع ولا شراء..

ولكن لا بد أن يكون لهذا المال عمل، وقد صار إلى يد أصحابه.. وليس هناك إلا النار التي يعيشون فيها، ويتعاملون معها.. وحين يتصل هذا المال- من ذهب أو فضة- بالنار، سيتحول إلى كتل من الجمر، تكوى بها أجسامهم فى المواضع التي تشوّه معالمهم، وتزيد فى آلامهم.. جباههم، وجنوبهم، وظهورهم.. فإذا أنكروا هذا الذي يكوون به دون أهل النار جميعا، قيل لهم: «هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ» .

وهكذا يكون الجزاء من جنس العمل.. فقد أخذوا هذا المال ظلما وعدوانا، ثم اكتنزوه شحا وبخلا، فكان جزاؤهم أن كان هو سوط العذاب الذي يعذبون به، من حيث كان يرجى أن يكون مصدر نفع وخير لهم.

وسواء أكان عذاب الآخرة ماديا أو معنويا، فإن هذه الصور التي يعرضها القرآن من صور العذاب، لا بدّ أن تقع على الصورة التي صوّرت بها..

فإن كان العذاب ماديا جاءت تلك الصور المادية على صورتها التي صورها القرآن، وإن كانت معنوية جاءت معنوية على تلك الصورة أيضا، فالعالم

<<  <  ج: ص:  >  >>