وعدم ذكر أبى بكر فى هذين المقامين- البدء والختام- لا ينقص من قدر أبى بكر، ولا يزحزحه عن مقامه الكريم، الذي رفعه الله سبحانه وتعالى إليه بقوله:«إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا» .. إذ لا شك أن الموقف هو موقف الرسول، وأن الرسالة هو صاحبها، والمدعوّ إليها من ربه، وإنه ليكفى أبا بكر شرفا أن ينفرد بهذا المقام الكريم، فيكون للنبىّ ردءا وعضدا، فى وقت كان النبىّ الكريم يواجه فيه وحده المشركين جميعا..
والسكينة، هى الطمأنينة التي تحلّ بالقلب، فيجد الإنسان المكروب ريح الأمن، وبرد السلامة والعافية.. وهى مأخوذة من السكون، أو السكن، بمعنى القرار.. «وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها» .. هى قوى من قوى الحق، أمدّه الله بها، فكانت عينا تحرسه، ويدا تردّ من يريد السّوء به..
وفى التعبير عن حلول السكينة قلب النبىّ بإنزالها عليه، إشارة إلى أنها منزلة من السماء، وأنها من قوى الحقّ التي أمدّ الله نبيّه بها، وليست من القوى التي يملكها الناس، ويستندون إليها..
«وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى» أي أن الله أبطل كيدهم، وأفسد تدبيرهم.. والمراد بالكلمة هنا، الحال والشأن والأمر.. بمعنى أن المشركين وقد فوّت الله عليهم ما أرادوا بالنبيّ من سوء، وأبطل ما دبروا من كيد، وما بيّتوا له من عدوان.. فإن ذلك يحدّث عن ضعفهم وهوانهم، أمام تلك القوة القادرة القاهرة.. وإذا كانت الكلمة تعبيرا عن إرادة المتكلم بها، وتصويرا لمشيئته التي يريد إمضاءها، فإن إنفاذ هذه الإرادة، وإمضاء تلك المشيئة، إنما يكون بحسب ما عند المتكلم من رصيد من القوى التي يحشدها وراء كلمته، ليقيم لها مكانا فى عالم الواقع المحقق.. وإنه حين تبطل الكلمة، ولا تجد لها مكانا فى الواقع المحقق، يكون ذلك دليلا قائما على ضعف صاحبها،