الوقوع، بعيد المسافة تثاقلوا، وتباطئوا، وانتحلوا شتى العلل ومختلف المعاذير.
ثم إنهم لا يكتفون بهذا، بل يزكّون هذه العلل، ويؤكدون تلك المعاذير بالحلف المؤكد أنهم لو استطاعوا الخروج لخرجوا.. وهذا الحلف نفسه هو دليل فاضح لكذبهم، إذ لم يطلب أحد إليهم أن يحلفوا.. ولكن هكذا الكاذب دائما.. يجد الكذب الذي يعرضه على أعين الناس، لا يقف على قدميه لضعفه وهزاله، فيعمد إلى تقويته بالحلف، ودعمه بتوكيد هذا الحلف.
وقوله تعالى:«يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ» إشارة إلى أن هذا الموقف الذي يقفه أولئك المتثاقلون على الجهاد، المتعللون لذلك بالعلل الكاذبة، إنما قد جنوا على أنفسهم، وأوردوها موارد الهلاك، بتخلفهم عن الجهاد، وعصيانهم لأمر الله، وهم قادرون على القتال.. فإنهم إن خفى أمرهم على الناس، فلن يخفى على الله «وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ» .
وقوله سبحانه:«عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ» فى هذه الآية عتاب رقيق للنبى الكريم من ربّ كريم.. وهو عتاب يحمل فى أطوائه نفحات الرضا والرضوان، بحيث يبدو هذا العتاب، وكأنه جزاء حسن عن عمل حسن! فقد قدّم العفو عن الأمر الذي يطلب العفو له، وجاء العفو من أجله..
وهذا على غير المألوف.. حيث يذكر الذنب.. أولا، ثم يكون اللوم، أو العفو.. ثانيا.
ولكنّ لطف الله سبحانه بنبيّه الكريم، وتكريمه له قد جاءه بالعفو