للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفزعون له. ويبيتون مؤرقين للقائه.. فما هو عندهم إلا نقلة إلى عالم خير من هذا العالم، وإلى حياة طيبة، وجنات لهم فيها نعيم مقيم..

أما الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر.. فإن للموت عندهم رهبة رهيبة، مسلطة عليهم مع كل نفس يتنفسونه فى هذه الدنيا.. فما الموت عندهم إلا الفناء الأبدى، والضياع فى تيه العدم، والغرق فى بحر الظلام الأبدى «.. وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ» ..

فهذا هو العذاب الدنيوي، الذي يعذّب به الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر.. وإنما يعذّبون بأيديهم، وبما يجمعون من مال، وما يستكثرون من أولاد، وأنهم كلما كثر مالهم، وكثر أولادهم، كلما اشتد عذابهم، وتضاعف بلاؤهم.. «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» .. فهم لهذا أحقّ بالرثاء، منهم بأن يكون موضع قدوة وإعجاب! وقوله تعالى: «وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ» - هو عطف على قوله سبحانه: «لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» .. بمعنى أن هذا الذي فى أيديهم من كثرة الأموال والأولاد، إنما جعله الله ليكون مصدر عذاب وبلاء لهم فى الدنيا، ولتزهق أنفسهم وتخرج من هذه الدنيا على كره، وهم فى لجاج فى الكفر، وإغراق فى الضلال.. إذ لم يدع لهم تعلقهم بالأموال والأولاد فرصة يفكرون فيها فى الله، وفى الإيمان به، واليوم الآخر.. فكل همهم هو هذه الأموال، وأولئك الأولاد، فإذا نزل بهم الموت اشتد كربهم وأمسكوا بالحياة فى ذعر وجنون..

قوله تعالى: «وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ» من نفاق المنافقين مع أنفسهم، أنهم يحلفون للمؤمنين أنهم منهم، لأنهم

<<  <  ج: ص:  >  >>