التفسير: فى آية البر (١٧٧) لم يذكر الصوم فيما ذكر من شعائر البر، ولكن قد أشير إليه ضمنا فى قوله تعالى:«وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ» إذ كان الصوم مما يدخل فى دائرة الصبر.. بل هو «الصبر» نفسه.
وفى هذه الآية بيان لفريضة الصوم ووقتها وأحكامها، كما ذكر، فى الآيات التي قبلها من أعمال البر: القصاص فى القتلى، والوصية عند الموت، وهما أمران يستندان إلى الصبر، وكما سيذكر بعد ذلك الجهاد فى سبيل، وهو أمر لا يقوم إلا على الصبر.
وفى قوله تعالى:«وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ» بيان لمن أبيح لهم الخروج من هذا الحكم العام الذي دخل فيه المسلمون جميعا، وهو وجوب الصوم..
ويقال: طاق الشيء يطوقه طوقا وطاقة، وأطاقه إطاقة إذا قوى عليه، وطوّقه تطويقا ألبسه الطوق، يقول الله تعالى:«سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ» :
(١٨٠ آل عمران) ومعنى هذا أن الذي يطيق شيئا إنما يعطيه طاقته، أي كل قوته، وهذا لا يكون إلا مع الأمر الشاق، الذي لا يقدر علية إلا بجهد ومشقّة.
والذين يطيقونه هم الذين يرهقهم الصوم، ويبلغ بهم المشقة والجهد، كالمريض مرضا ملازما، وكمن دخل مرحلة الشيخوخة، وكبعض الحوامل اللائي يعانين من حملهن ما يلزمهن نظاما خاصّا فى التغذية.. وهكذا كلّ من خرج بناؤه الجسدى عن حد الاعتدال، فلا يستطيع الصوم، وإن استطاعه وجد المشقة والحرج، فلهؤلاء أن يفطروا، فقد رفع الله عنهم الحرج بقوله تعالى: