وقوله سبحانه:«لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ» هو تصوير لحجم الفزع الذي يعيش فى كيان الكافرين والمنافقين..
إن هذه الدنيا على سعتها، هى أضيق من سمّ الخياط، فى أعين الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر.. إذ لا حياة لهم بعدها، ولا رجاء لهم فيما يرجوه المؤمنون بعد الموت.. ومن هنا كانت الدنيا على ما فى أيديهم منها من مال وبنين- هى سجن مطبق عليهم، يقضون فيه أيام حياتهم المعدودة..
كأن فجاج الأرض وهى فسيحة ... على الخائف المكروب كفّة حابل
يؤتى إليه أن كل ثنية ... تيمّمها ترمى إليه بقاتل
هكذا حال الذي لا يؤمن بالله، ولا باليوم الآخر.. هو دائما فى خوف متوقع يطلع عليه من كل جانب.. فلا يبيت على جناح أمن أبدا..
والملجأ: ما يلجأ إليه الإنسان، ويلوذ به، ليكون مأمنه مما يخاف..
والمغارات: جمع مغارة، وهى النقرة فى الجبل، تلجأ إليه الهوام والحشرات، فرارا من الخطر الذي يتربص بها فى ضوء النهار..
والمدّخل: النفق فى الأرض..
ويجمحون: أي يفرون ركضا مسرعين..
وهذه المخابئ التي يلجأ إليها هؤلاء الفارّون من وجه الحياة، هى كل ما يمكن أن يتصور الفرار إليه، فى عالم الإنسان، أو الحيوان، أو الهوامّ..
وفى هذا ما يدل على أن المنافقين يلتمسون أي مفرّ يفرّون إليه، ويدفنون وجودهم فيه.. بل وأكثر من هذا.. إنهم فى سبيل الاحتفاظ بالحياة، وفى طلب الفرار من الموت- لا يأنفون أن يكونوا على أية صورة من صور الأحياء، من