المدينين إلى قضاء دينهم عند أول فرصة تمكنهم من قضائه.. وفى هذا يقول الرسول الكريم:«مطل الغنىّ ظلم» ..
وقد عرضنا لذلك عند تفسير آية الدّين فى سورة البقرة «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ.. الآية» .
وفى نظرة الإسلام إلى «الْغارِمِينَ» وفرض نصيب لهم فى الصّدقات، سياسة حكيمة، وتدبير محكم، يريد به الإسلام أن يصحح أوضاع المجتمع الإسلامى، ويقضى على العلل التي تنجم فيه، قبل أن تعظم وتستشرى..
فالمدين الغارم- وهو أشبه بالمفلس- إذا ترك وشأنه، وتلك حاله- لم يستطع الوفاء بقضاء دينه.. وينشأ عن هذا أمور:
منها ضياع مال الدائن، الذي خفّ متطوّعا لإنقاذ المدين، والأخذ بيده فى ساعة العسرة..
والدائن إنما عمل خيرا، ومن حقّه أن ينتظر خيرا لما فعل.. فإذا جاءت عاقبة أمره مع المدين على تلك الصورة، ضاقت نفسه بفعل الخير بعد هذا، وكره أن يدخل فى تجربة جديدة كتلك التجربة..
والإسلام حريص على إشاعة المعروف بين النّاس، وتبادل الإحسان بين أفرادهم وجماعاتهم.. وموقف كهذا الموقف يقبض بد الناس عن الإحسان، ويزهدهم فيه.
ومنها: أن المدين نفسه، إذا ما وصلت به الحال إلى اليأس من قضاء دينه، صغرت نفسه بين الناس، وخفّ ميزانه فيهم.. ثم لا يلبث حتى ينعكس ذلك على نظرته هو إلى نفسه.. ثم يصبح وإذا هو إنسان ساقط المروءة، متعثر الخطا، مضطرب الحياة، ضائع الوجود.