ويتجاوز عن سيئاتهم، ويأخذ المسيئين بما عملوا إن شاء، أو يتوب عليهم..
كل ذلك عن قدرة متمكنة، وعزة غالبة، وحكمة بالغة.. سبحانه، عزّ فحكم، لا معقب لحكمه، ولا منازع لسلطانه..
هذا، وليس دخول حرف الاستقبال فى قوله تعالى:«سيرحمهم» ..
بالذي يجعل وعد الله غير محقق فى الحال كما هو محقق فى الاستقبال، بل هو وعد منجز فى جميع الأحوال، والأزمان.. فالمؤمن محفوف برحمة الله دائما، ولولا هذه الرحمة لما كان من المؤمنين، الذين دعاهم الله إلى الإيمان، وهداهم إليه، وأمسك بهم على طريقه.
وفى قوله تعالى:«وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ» ما يشير إلى ما فى المؤمنين من معانى الإنسانية، التي تعطى المؤمن وجودا مشخّصا، وذاتية مستقلة.. ثم هو- مع هذا الوجود الذاتي المستقلّ- يحكمه عقل رشيد، ويوجهه قلب سليم، فيلتقى مع أصحاب العقول الرشيدة، ويتجاوب مع أولى القلوب السليمة، على جبهة الحق، وتحت راية الخير، فإذا هو قوة عاملة فى هذا الميدان، يعمل للحق مع العاملين، وينتصر للخير مع أهل الخير.. يبادلهم ولاء بولاء، وحبّا بحبّ، وإخاء بإخاء! وليس كذلك المنافقون والمنافقات.. «بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ» .. إنهم كتلة متضخّمة من الخبث.. أشبه بالديدان التي تتخلّق من الرّمم، ليس بينها تجاوب فى المشاعر، أو تلاق فى التفكير، وإنما هى كائنات تسبح فوق هذه الرمم، وتغتذى منها! قوله تعالى:«وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»