للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبادية، وما فيها من جفاف، وجدب وقسوة، قد طبعت الكائنات فيها- وبخاصة الإنسان- بطابعها الجاف الجديب القاسي.. وفى المثل: «من بدا جفا» .

ومن هنا كانت الطبيعة الحادّة فى نفس البدوىّ، ذاهبة به مذهب الغلوّ والتطرف..

فالمنافقون من أهل البادية على نفاق أشد وأسوأ من نفاق سكان الحضر..

وكذلك كفرهم.. هو كفر غليظ كثيف مغلق، لا تطلع عليه ضوءة من الحق أبدا، وإنهم لبعدهم عن مواقع الهدى من رسول الله، ومن المؤمنين، قد فاتهم خير كثير، إذ لم يعلموا ما بين يدى الله من دين الله، ومن شريعة الله.. ومن علم منهم شيئا من هذا، لم يعلمه علم تحقق ويقين..

وفى قوله تعالى: «وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» دعوة لهؤلاء الأعراب أن ينزعوا لباس البداوة، وأن يخرجوا من حياتهم تلك، إلى حياة الحضر، وأن يقتربوا من مواطن العلم والمعرفة، حيث يلقون رسول الله، ويأخذون عنه، ويخالطون المؤمنين، ويحذون حذوهم.. فالله سبحانه «عليم حكيم» ولا يعرف الطريق إلى الله، ويحسن التعامل معه، إلا أهل العلم والحكمة..

فالإسلام إذ يشنع على البداوة، وإذ يصم أهلها بالنفاق الكريه، والكفر الغليظ، والجهل الفاضح- الإسلام بهذا يدعو إلى العمران، ويحرض على المدنية، ويبغض إلى الناس العزلة والوحشة وقبول الحياة، كما هى، من غير معالجة لأشيائها، ووضع بصمة الإنسان العالم الحكيم عليها..

قوله تعالى: «وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ

<<  <  ج: ص:  >  >>