مناسبة هذه الآية لما قبلها أنها تعرض صورة مشرقة للمؤمنين، الذين يتجلّى عليهم الله سبحانه وتعالى برضوانه، وينزلهم منازل فضله وإحسانه، وذلك بعد أن عرض فى الآية السابقة عليها صورة مضيئة، انبثقت من بين ظلام البداوة، وطلعت من مهابّ سمومها وهجيرها..
فالسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان- هم الإنسانية الكريمة الوضيئة، يتمثل فيهم كل ما يمكن أن تعطيه الإنسانية من ثمر طيّب مبارك.. فهم من الإنسانية بمنزلة هذه القلّة من أعراب البادية، الذين خلصوا من كدر البادية، وسلموا من أدرانها وأوضارها..
والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار.. هم الذين سبقوا إلى الإسلام، فكانوا الكوكبة الأولى التي تقدمت ركبه الميمون، وكانوا الكواكب الدّريّة التي بين يد فجره الوليد.. أولئك هم الذين حملوا أعباء الدعوة الإسلامية، واحتملوا- فى صبر ورضا- مواجهة العاصفة التي هبّت عليهم عانية مزمجرة، تحمل فى كيانها جهالة الجاهلية، وحماقاتها، وسفاهاتها، وعتوّها وضلالها.. فكان لهم عند الله هذا المكان الكريم، وتلك المنزلة التي اختصهم بها، وأفردهم فيها..
فمن أراد أن يلحق بهم ويضاف إليهم، فسبيله إلى ذلك أن يقفو أثرهم، ويتبع سبيلهم، ويحسن كما أحسنوا، ويبلى كما أبلوا.. فذلك هو الثمن لمن يطلب رضا الله، ويطمع فى أن يكون مع أحبابه وأصفيائه.. فيكون بهذا مضافا إليهم مع الذين اتبعوهم بإحسان.
وفى قوله تعالى:«بِإِحْسانٍ» هو قيد مؤكّد، يكشف عن الإحسان الذي يكون من متابعة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والتأسّى بهم..