الله بعباده، وتفضله على المذنبين العصاة منهم، وهم الذين لم يتوبوا إلى الله، ولم ينزعوا عما اقترفوا من إثم.. فهؤلاء مذنبون عصاة، ينتظرون حكم الله فيهم، إن شاء أخذهم بذنوبهم فعذّبهم، وإن شاء عاد بفضله عليهم، فعفا عنهم، هكذا كرما منه وفضلا.. وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة:«نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ»(٥٦: يوسف) ولا يردّ على هذا، بأنّ ذلك مما يبطل عمل العاملين، ويسوّى بين المحسنين والمسيئين، كما أنه يناقض قوله تعالى:«وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى» وقوله سبحانه: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» .
ونقول: إن الله سبحانه وتعالى بإحسانه إلى المسيئين، وتجاوزه عن سيئاتهم لا يجور على عمل المحسنين، ولا ينقص من إحسانهم شيئا، بل إنه سبحانه يوفّيهم أجرهم غير منقوص، كما يقول سبحانه:«وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ» .
أما التسوية بين المحسنين والمسيئين: فليست واقعة على إطلاقها.. وذلك:
أولا: أن المحسن مجزىّ بإحسانه، بلا شك، كما يقول سبحانه:
«وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ» .. أما المسيء فهو فى منزلة بين منزلتين: إما أن يأخذه الله بذنبه، وهذا هو الوجه الذي يطلّ عليه من سوء عمله، وإما أن يتجاوز الله عنه، ويعود بفضله عليه، وهذا هو الوجه الذي يطلع عليه من رحمة ربّه! وثانيا: أنه ليس إحسان المحسن وحده هو الذي يدخله الجنة، وإنما قبل ذلك كلّه، هو شموله برحمة الله، كما فى الحديث الشريف:«لا يدخل أحدكم الجنة بعمله، قيل ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله برحمته» .. رحمة الله التي وسعت كلّ شىء.. تنال البر والفاجر.