للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالشمس والقمر آيتان من آيات الله الدالّة على قدرته، وعلمه، وحكمته..

وآثارهما فى عالمنا الأرضى واضحة مشهودة.. عليهما تقوم حياة كل كائن فى هذا الكوكب الأرضى، وينتظم نظامه.. ولو أنهما أخذا من الأرض موضعا غير موضعهما، لاختلّ نظام هذا الكوكب، وفسد أمره، وتحول إلى صورة أخرى غير صورته تلك.. لا يدرى أحد ماهيتها التي تكون عليها..

- وفى قوله تعالى: «جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً» إشارتان:

أولاهما: أن الجعل غير الخلق.. إذ هو تدبير بعد تدبير الخلق.. فالخلق إيجاد لما هو غير موجود، والجعل تقدير وتنظيم لهذا المخلوق الذي خلق، وإقامته على الوجه الذي يحقق الحكمة من خلقه..

والخلق بالإضافة إلى الله- سبحانه- خلق متلبس بالحكمة، قائم على التقدير.. فليس هناك انفصال بين خلق الله، وبين الحكمة والتقدير لما خلق..

ولكن التعبير «بالجعل» الذي يكشف عن حكمة الخالق المودعة فى المخلوق، هو إلفات لأنظارنا إلى ما فى هذا المخلوق من آثار رحمة الله وحكمته.. ومن جهة أخرى، فإن التعبير بالجعل لا يكشف عن الحكمة من خلق المخلوق إلا من الجانب الذي يتّصل بنا، ويؤثر فى وجودنا.. ففيما كشف عنه قوله تعالى: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ» .. عرض مقصور على ما يتصل بنا من خلق الشمس والقمر، أمّا مالهما من شأن أو شئون تتصل بالعوالم الأخرى، وبالكون ونظامه، فذلك ما ليس لنا علم به، وإن وقع لنا به علم، فهو علم يزيد فى معارفنا، ولا يتصل اتصالا مباشرا بمقومات حياتنا القائمة على ما تعطينا الشمس من ضوئها، والقمر من نوره.

<<  <  ج: ص:  >  >>