يقول السيد المسيح لهم:«من ضربك على خدّك الأيمن فأدر له خدّك الأيسر» وفى هذا ما فيه من إذلال لهم، وقتل لمعانى الإنسانية فيهم، إن هم استقاموا على هذا الأمر، فإن خرجوا عليه فهم عصاة خارجون على أمر الله، يستحقون اللعنة وسوء المصير.. وليس هذا مما يكلف الله به عباده، ولكنه من نقمه التي ينزلها على أهل البغي والعدوان.
ولهذا أمر الله المسلمين بما أمرهم به من هذا الخير، بترك القتال فى الأشهر الحرم، ثم حرس هذا الخير من أن يستبد به الأشرار، ويجنى ثمرته المبطلون..
فهى أشهر حرم لا يبدأ فيها المسلمون بقتال، فإن بدأهم أحد فيها بقتال فلا حرمة عندئذ لهذه الأشهر الحرم، التي ما شرعت إلا لخير الإنسان وصيانة دمه، وأما وقد جعلها العدوّ ظرفا يستبيح به دماءهم، فصيانة دمائهم والدفاع عنها أكثر قداسة وحرمة من كل حرمة وقداسة.. لزمان أو مكان! هذا ما يقرره قوله تعالى:
«الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ» فى أي مكان وفى أي زمان «فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ» .
وفى قوله تعالى:«وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» تذكير للمسلمين بما وصاهم به الإسلام من آداب القتال، وهى ألا يعتدوا، فإن اعتدى عليهم ردّوا الاعتداء.. ولكن لما كان عدوان المعتدى باعثا على النقمة منه، جاء قوله تعالى:«وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» ضابطا لمشاعر الانتقام من العدو المعتدى، مذكرا المسلمين بالتقوى فى هذا الموطن، فلا يأخذون أكثر من حقهم فى تأديب العدوّ، وكسر شوكته، فإذا تخلّى المسلمون عن التقوى فى هذا الموطن تخلّى عنهم عون الله ونصره.