ويمضى فيما كان فيه من كفر وضلال.. كأن ضرّا لم يكن قد مسّه، وكأن حالا من الذّلة والاستكانة لم تكن قد لبسته، وكأن رحمة السماء لم تمدّ يدها إليه وتستنقذه من الهلاك المطبق عليه!! هكذا الإنسان، كما وصفه خالقه فى قوله تعالى:«وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً»(٨٣: الإسراء) وفى قوله سبحانه: «إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ»(٣٤: إبراهيم) - وفى قوله تعالى:«كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» .. تهديد ووعيد لأهل الكفر والضلال، الذين لا يرعوون عن كفرهم، ولا ينزعون عن ضلالهم، ولا يستمعون لدعوة خير، ولا يستجيبون لرائد هدى، ورسول رحمة، لا يتعظون بما يحلّ بهم من غير، وما يلبسهم من نعم! لقد استمرءوا هذا الضلال الذي هم فيه واستحبوا العمى على الهدى:«وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً» .
هو تهديد أيضا ووعيد للكافرين والضالين، الذين وقفوا من الدعوة النبوية هذا الموقف المتصدّى لها، أو الحائد عنها..
فلقد أخذ الله المكذبين الضالين من الأمم قبلهم بالبأساء والضرّاء حين عتوا عن رسل ربّهم، وكذّبوا بهم.. وذلك هو الجزاء الذي يجزى به الظالمون.. لا جزاء لهم غير أن يؤخذوا بنقم الله ويلقوا فى جهنّم خالدين فيها..
وها أنتم أولاء، أيها المشركون، قد خلفتم هؤلاء الأقوام، وورثتم ديارهم،