بيان للآداب التي يجب على الحاج أن يلتزمها فى هذه الأشهر، فيصون نفسه فيها عن كل لغو، ويجنبها كلّ معصية، وينأى بها عن الجدال المفضى إلى الخصام والخلاف.
فالحج مدخل إلى طاعة الله، وسعى إلى التقرب منه، والتعرض لمغفرته ورضوانه.. ومن أجل هذا خرج الحاج من أهله، وأعماله، واتجه إلى ربّه، وبيت ربّه، ومن أجل ذلك أيضا نزع كلّ ما على جسده من ملابس عاش فيها قبل هذه الرحلة إلى الله، وأصابها ما أصابها مما اقترف من سيئات، واستبدل بها ملابس الإحرام، التي ينبغى أن يصونها ويصون نفسه فيها عن كل حرام، فلا يتندس بملابسة رفث أو فسوق أو جدال، وبهذا يكون أهلا لأن يدنو من الله، وينال من رحمته ما يناله المتقون.
وقوله تعالى:«وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى» دعوة إلى أن يحمل الحاج معه من المال أو الطعام ما يكفيه، حتى لا يكون عالة على غيره فى هذا البلد غير ذى الزرع، ثم لكى لا يكون التزود بالمال والطعام هو كل همّ الحاج، فقد نبه الله سبحانه إلى أن هذا الزاد وإن كان مطلوبا لسدّ الحاجة، فإن هناك زادا خيرا من هذا الزاد يجب على الحاج أن يحرص عليه، وأن يسعى ما استطاع إلى تحصيله، وهو التقوى، فهى الزاد الطيب الباقي، الذي يعين على الوصول إلى الله، والتعرض لهو اطل رحمته، وغيوث رضوانه.
وقوله تعالى:«وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ» تنويه بشأن العقل، وتكريم للعقلاء الذين يحترمون عقولهم، ويستجيبون لما تدعوهم إليه، من إيثار ما يبقى على ما يفنى، وشراء الآجل بالعاجل.
فالعقلاء الراشدون هم أولى الناس بأن يرجى عندهم الخير، ويؤمل فيهم الاستقامة والهدى.. وفى هذا يقول الله تعالى:«إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ» : (٢٨: فاطر) .