الطريق، بعد التحلل من الإحرام، واسترداد الجسد ملابس الحلّ، وعندها يجد الإنسان ذاته التي كان عليها قبل أن يحج، فكان قوله تعالى هنا تنبيها إلى هذا الخطر الذي يقدم عليه الحاج، وأنه لن تنقطع صلته بالله بعد أداء هذه الفريضة، بل إن هذه الفريضة ستزيد تلك الصلة قوة وعمقا:«فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً» أي ليكن ذكركم الله، والتفاتكم إليه، ورجاؤكم فيه كذكر الابن أبويه، والتفاته إليهما ورجائه فيهما، بل وأكثر من هذا ذكرا والتفاتا ورجاء.. فالله سبحانه هو الذي يرعى الولد والوالدين جميعا! ثم إن الناس فى لجئهم إلى الله، وضرعهم إليه، فريقان: فريق يطلب الدنيا، ويقيم علاقته مع الله على طلب المزيد من أشياء الحياة الدنيا، دون أن يقيم وزنا للحياة الآخرة، وما ينبغى أن يعدّه لها من صالح الأعمال! فهذا فريق شغلته دنياه عن آخرته، إذ غلبت عليه شهوة المال وزينة الحياة، فلم تتسع نفسه لشىء غيرهما.. وفريق آخر. هدى إلى الحق، وإلى طريق مستقيم..
فأخذ من الدنيا بنصيب، ومن الآخرة بنصيب، يقول:«رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنا عَذابَ النَّارِ» .
وفى قوله تعالى:«أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا» إشارة إلى هؤلاء الذين هدوا إلى الحق، وأن ما كسبت أيديهم ليس لهم منه إلا هذا الذي كان لحساب الآخرة، فهو الباقي الذي يجدونه عند الله، وما سواه مما كان للدنيا فهو إلى زوال وإلى عدم، فإن قوله تعالى:«مِمَّا كَسَبُوا» يدل على أن ما كسبوه للدنيا لا معتبر له، وأن لهم بعض ما كسبوا، وهو ما كان للآخرة، لا كل ما كسبوا مما هو للدنيا وللآخرة، قال الله تعالى:«وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا»(٤٦: الكهف) .