مرّوا كراما، ثم هو من جهة أخرى أقام على منطق المسلم حارسا لا يدع لكلمة السوء منطلقا تنطلق منه، بل وأكثر من هذا، فإنه نبّه إلى وساوس السوء التي تتحرك فى صدر الإنسان ليميتها قبل أن تتخلّق منها المشاعر والكلمات، فقال تعالى:«وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ»(١٦- ١٨ ق) .
فهناك طوائف من الناس تتخذ من الكلمة الخادعة المنافقة طريقا لترويج الباطل، فيضعون على ألسنتهم كلمات معسولة، تفيض رقة وتتناغم حنانا ومودة، ولو ذهبت تفتش فى ثناياها، وتنظر فى أطوائها لوجدتها تنغر قيحا وصديدا، وتفور زفيرا وفحيحا، بما تحمل فى كيانها من حسد وبغضاء.
هكذا كان موقف المنافقين من رسول الله، إذا لقوا الرسول هشّوا له وتخاضعوا بين يديه، وألانوا القول وزينوه، وأشهدوا الله أن علانيتهم مثل سرهم، وأن ما يجرى على ألسنتهم منطلق من صميم قلوبهم.. فالمنافق يستر نفاقه بهذا الدهان، ويغطى كذبه بالحلف بالله وبكل ما يحلف به، وفى هذا يقول الله تعالى لنبيه الكريم:«فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ»(٨- ١٠: ن) وقوله تعالى: «وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ» بيان للوجه الآخر من وجهى المنافق،