على العقل، ووزنها بميزانه، قبل الأخذ بها، وألّا يقبلها قبول استسلام وإذعان من غير اقتناع قائم على الدراسة والتأمل، ومهما كانت ثقة الإنسان فى مصدرها، فإن هذا لا يحرم العقل حقه من النظر فيها، نظر بحث وتفحص! ..
إن الشك- كما يقولون- هو أول مراتب اليقين..
والمراد بالشك هنا هو الشك المثمر، الذي يلقّح العقل بلقاح حب المعرفة والبحث عن الحقيقة، وارتياد مظانّها، وكشف وجهها سافرا مشرقا.. فهذا شك ولود للمعارف، يضع بين يدى صاحبه محصولا وافرا من العلم الراسخ، والحقائق الموثّقة..
أما الشك الذي يصدر عن وسواس ووهم، فهو داء، يقيم صاحبه دائما على عداء مع كل حقيقة واردة، أو علم مستحدث.. وهذا هو الشك الذي ينكره العلم، كما يبغضه الدين، ويبغض أهله..
الشك الذي تتحدث عنه الآية الكريمة فى قوله تعالى:«فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ» هو الشك الذي يدعو العقل إلى البحث الجادّ، والنظر المدقق فى الحقيقة التي بين يديه، فلا يهدأ، ولا يستقر حتى يقع من الحقيقة على ما يملأ عقله وقلبه يقينا بها، واطمئنانا إليها.. ولقد جاء قوله تعالى بعد ذلك:«فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ» .. ثم جاء قوله تعالى بعد هذا.: «لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ» تثبيتا لهذا اليقين الذي يقع فى القلب من النظر فى آيات الله.. ثم جاء بعد ذلك قوله تعالى:«فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ» دعوة إلى تجنب الامتراء والجدل فى البحث عن الحقيقة.. فإن هذا الامتراء هو الآفة التي تمسك يد الإنسان عن أن تصل إلى حقيقة أبدا.. ثم جاء بعد ذلك قوله تعالى:«وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ» دعوة أخرى إلى تجنب التكذيب بالحقيقة حين يسفر وجهها.. فذلك من