واستدراكا معا.. لفظها الاستثناء، ومعناها الاستدراك.. وذلك من خصوصيات النظم القرآنى وحده! وعلى هذا فمعنى الآية الكريمة: هلا أسرعت مكة إلى الإيمان بالنبي المبعوث منها وفيها، فانتفعت بهذا الإيمان قبل غيرها، لأنها أولى به، إذ كان مطلعه فى أفقها؟ ولكن الواقع أنها لم تؤمن، فحرمت هذا الخير، وأصبحت فى معرض نقمة الله وبلائه.. هذا هو موقف هذه القرية، وذلك هو حال معظم الأقوام مع أنبيائهم.. إلا قوم يونس، فإنهم آمنوا، فنجاهم الله من العذاب الذي أوشك أن يحل بهم، ومتعهم بما كانوا فيه، إلى أن انتهت آجالهم المقدورة لهم..
- وفى قوله تعالى:«لَمَّا آمَنُوا» إشارة إلى أن قوم يونس لم يبادروا بالاستجابة لرسولهم، بل كان منهم تلكؤ وتعلل، ولكنهم آمنوا آخر الأمر، فتداركهم الله برحمته، وشملهم بعفوه.
وانظر فى «لمّا» هذه، واستمع إلى ما يقع لأذنك من نغمها الممتد المتماوج، وما فيه من رعشة واهتزاز، تجد أنها تحكى فى دقة وروعة تلبّث القوم، وتلكاهم واضطراب خطوهم، قبل أن يؤمنوا، ويستقيموا على طريق الحق! وانظر مرة أخرى فى هذا الذي لمحته من الحرف «لمّا» وما طلع عليك به من إشارات مضيئة، كشفت لك عن حال تلك القرية، قرية يونس، وما كان من توقفها، وتلكئها، ثم استجابتها لرسولها، والإيمان بربها، والانتفاع بهذا الإيمان- تجد وجها آخر من وجوه الإعجاز القرآنى، فيما يجىء به من أنباء الغيب، وأن قريشا ستأخذ مأخذ قوم يونس، وأنهم إذ يقفون من النبي هذا الموقف العنيد العنيف، ستكون خاتمة أمرهم، الإيمان بالله، والانتفاع بهذا