الأمر الأول: أن الدّين عقيدة، والعقيدة إيمان بالمعتقد فيه، والإيمان بالشيء لا يكون حتى يرضاه العقل، وتميل إليه النفس، ويطمئن له القلب..
وليس فى شىء من هذا مكان للإكراه، بل إن الإكراه هو الآفة التي تحجب القلب عن الإيمان، وتغتال الإيمان إذا هو وجد طريقا إلى القلب.
والأمر الثاني: أن القلوب وهى مستودع الإيمان، هى يد الله سبحانه وتعالى، إن شاء ساق إليها الإيمان، وهيأها لاستقباله، ونفعها به، فأزهر فيها وأثمر، وإن شاء صرفها عن الإيمان، وختم عليها، فلم تقبله، ولم تنتفع به.. «وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً» ..
وعلى هذا، فإنه غير مطلوب من الرسول أن يكره أحدا على الإيمان بالله.. لأنه لن يؤمن مؤمن إلا عن مشيئة الله وإرادته.. ثم لأن الإيمان عن إكراه هو زرع فى أرض مجدبة، لا تنبت زرعا ولا تطلع ثمرا.! «فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ»(٤٠: الرعد) .
قوله تعالى:«وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ» هو تعليل للإنكار الذي تضمنه الاستفهام فى الآية السابقة: «أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» .. ذلك أنه إذا كان الإيمان رهنا بمشيئة الله، فليس يجدى بحال أبدا هذا الحرص الشديد، الذي يبدو من النبىّ، وهو يدعو أهله وقومه إلى الإيمان بالله، وإن المطلوب منه هو أن يرفع مصباح الهدى للناس، وأن يكشف لهم به الطريق إلى الله.. فمن كان ممن أراد الله لهم الهداية اهتدى، ومن كان ممن أصلّهم الله، فلا هادى له.. والله سبحانه وتعالى يقول:«وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ» .
- وفى قوله تعالى:«وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ» .