هذا الوجود، وأن عليه أن ينظر إلى نفسه وحده، وأن يأخذ لها بحظها من سعيه وعمله.. إنه إنسان رشيد عاقل، فكيف يقبل هو، أو يقبل منه أن يحلّ نفسه من إنسانيته، وعقله، ورشده، ليكون طفلا قاصرا، يفكّر له غيره، ويعمل له سواه؟ ذلك حساب مغلوط لا يقبل منه أبدا، ولو قبله هو على نفسه..!
- وفى قوله تعالى:«وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ» ، وفى تعدية اسم المفعول:
«وكيل» الذي هو بمعنى موكّل بحرف الاستعلاء «على» بدلا من حرف المجاوزة «عن» - فى هذا ما يشعر بأن النبي الكريم- وهو من هوّ فى مقامه الرفيع فوق الناس جميعا- ليس له أن يكون وكيلا عن أحد من الناس، وإنما كل إنسان له وعليه مسؤليته الكاملة، يحملها وحده..
وهذا- كما قلنا- تشريف للإنسان، وتكريم له.. وأن كل إنسان جدير به أن يأخذ مكانه فى الناس، وأن يعمل ما وسعه العمل، ليبلغ المكان الذي يستطيعه بعمله واجتهاده.. فالطريق أمامه مفتوح، لا يقف فى سبيله أحد! ..
قوله تعالى:«وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ» .. فذلك هو الرسول الإنسان.. إنه يحمل مسئوليته كاملة..
فيتّبع ما يوحى إليه من ربه، ويستقيم عليه.. إن ذلك هو ميدانه الذي يعمل فيه، ويدعو الناس إلى العمل فيه معه.. فمن استجاب له، قبله، وضمّه إليه، ومن أبى فما على الرسول إلا البلاغ، وليصبر الرسول حتى يحكم الله بما قضى به فى عباده، وهو خير الحاكمين.. لا يحكم إلا بالعدل، ولا يقضى إلا بالحقّ، فيجزى المحسنين بإحسانهم، ويأخذ المذنبين بذنوبهم، إن شاء، أو يعفو عنهم..!