إننا نميل كثيرا إلى القول بأنه كان طوفانا محليا.. إذ ليست هناك حكمة ظاهرة لأن تتغير معالم الأرض، وتتحول كلها إلى محيط يشتمل عليها.. وإنه ليكفى- لكى تقوم المعجزة، وتؤدى الغرض منها- أن تحدث ثورة من ثورات الطبيعة فى هذا المكان، فيغرق اليابسة ومن عليها، ويهلك الحرث والنسل..
وخامسا: ابن نوح.. اختلف المفسرون فى نسبته إلى نوح.. وهل هو ابنه، أو ابن زوجه من رجل غيره.. ويجيئون إلى ذلك بقراءة من يقرأ «ابنه» :
«ابنها» .. هكذا:«ونادى نوح ابنها» .. ويؤيدون هذا بأن نوحا قال:
«إن ابني من أهلى» ولم يقل «إنه منى» ! بمعنى أنه من زوجه، إذ كانت زوجة الرجل أهله، التي أقام منها أهله ونسله.. وكأنهم بهذا إنما يستكثرون أن يكون ابن نبى من الأنبياء كافرا، خارجا على سلطان أبيه، وأن الله سبحانه وتعالى لم يكرم هذا النبىّ، فيحفظ ابنه من الضلال، ويقيمه على طريق الهدى! وهذه كلها مما حكات- وأكاد أقول إنها ضروب من اللهو- ينبغى أن ننزه القرآن الكريم عنها..!
وماذا يقول نوح لكى يكشف عن وجه ابنه، أكثر من أن يقول:«رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي» ؟ وهل ليس ابن الإنسان من أهله؟
بل وماذا يقول الذين يقولون هذه الشناعات- ماذا يقولون فى قول الله تعالى:«وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ» بل ماذا يكون من أب نحو ابنه من حنوّ وإشفاق، ومن جزع وحزن، أكثر مما فعل نوح مع ابنه هذا؟. لقد هتف به أن يركب السفينة معه، وذلك حين تفقّده فلم يجده بين أهله الراكبين فيها.. ثم لقد برّح به الحزن، واشتد عليه الألم بعد أن هلك هذا الابن، وكان من المغرقين- فجعل نوح بندب ابنه ويبكيه، ويطلب من الله العزاء والسلوان الذي حكاه القرآن