ولم يخلّفوا أثرا طيبا ينتفع به الناس بعدهم.. وإنما الذي تركوه هو ما يشهد عليهم بالبغي والضلال، والفساد فى الأرض.. فكل من يمر بديارهم، أو يستمع إلى أخبارهم، لا يجد منهم إلا ريحا خبيثة، تجعله ينفر منها، ويلعن الجهة التي صدرت عنها.. «وأتبعوا فى هذه الدنيا لعنة» أي تبعتهم اللعنات بعد أن تركوا هذه الدنيا، وذلك هو بعض ما غرسوا فيها من شر، إذ لم تكن لهم صالحة فيما غرسوا..
راحوا فما بكت الدنيا لمصرعهم ... ولا تعطّلت الأعياد والجمع
وكذلك شأنهم فى الآخرة.. فإن أهل الإيمان، إذ يرون ما ساق إليهم إيمانهم من نعيم ورضوان، يجدون لذة إلى لذة فى أن يذكروا أهل الكفر، وما ركبوا فى دنياهم من ضلال، وأن يرموهم باللعنة إذ فوّتوا على أنفسهم هذا المقام الكريم، وباعوها فى الدنيا بثمن بخس رذل! وفى هذا يقول الله تعالى:
تشهير بالقوم، وإذاعة لجريمتهم فى الناس، واستدعاء لكل ذى سمع ونظر، أن يشهد هؤلاء القوم، وينظر إليهم وهم متلبسون بهذا الجرم الغليظ، فلا يقول فيهم إلا ما يسوءهم ويخزيهم.
وفى تكرار حرف الاستفتاح «ألا» وفى ذكر «قوم هود» بعد ذكر «عاد» .. فى هذا كله تأكيد لذواتهم، التي توجّه إليها هذه اللعنات، والتي تعرض فى معرض التشهير، والتجريم، حتى لا يقع أىّ لبس فى أنهم هم المقصودون بهذا، وحتى لا يختلط أمرهم بغيرهم.. فإن التهمة خطيرة، والحساب