للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومدين: على أطراف الجزيرة العربية من جهة الشام.. وقد نسب إليها القوم الذين كانوا يعيشون فيها، وهم قوم شعيب! ودعوة شعيب إلى قومه، هى دعوة كل نبى، جاء ليصحح عقيدة قومه التي لعبت بها الأهواء، وأفسدها الجهل والسفه..

فهو يدعوهم إلى الإيمان بالله، وترك ما بين أيديهم من معبودات غيره:

«يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ» .. تلك هى مفتتح دعوته، بل وخاتمتها.. فالإيمان بالله، وإفراده بالألوهية، هو الفلك الذي تدور حوله تعاليم الأنبياء، وهو الينبوع الذي ترتوى منه قلوب المؤمنين، والمغترس الذي تغتذى منه وجداناتهم ومشاعرهم، والمصباح الذي تستضىء به أبصارهم، وتهتدى به بصائرهم.. فإذا عرف المرء ربه وآمن به، عرف الطريق إلى كل خير، وتفتح قلبه لاستقبال كل رشاد..

ولهذا فقد جاءت دعوة شعيب لقومه، بألّا ينقصوا المكيال والميزان- بعد دعوتهم إلى الإيمان بالله: «اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ» .. وذلك أنهم لو آمنوا بالله لكان تقبلهم لدعوته تلك، أمرا مقبولا عندهم، لا يراجعونه فيه..

وفى قوله: «إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ.. وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ» تحريض لهم على الإيمان بالله، وإغراء لهم باستنقاذ أنفسهم من الهلاك، لأنه يتوسم فيهم الخير، ويضنّ بهم أن يكونوا من أهل الشقوة والبلاء فى الدنيا، والعذاب الأليم فى الآخرة.. ويصحّ أن يكون قوله: «إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ» مرادا به أنهم فى حال من الرخاء والنعمة وسعة الرزق، بحيث لا تضطرهم الحاجة إلى الخيانة فى الكيل والميزان. والرأى الأول أولى.

وفى وصف العذاب بأنه عذاب يوم محيط، إشارة إلى شناعة هذا العذاب

<<  <  ج: ص:  >  >>