للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ» ؟ وكيف والله سبحانه وتعالى يقول فى أصحاب الجنة: «يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ» (٢١- ٢٢: التوبة) ؟ ويقول سبحانه فى أصحاب النار: «إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً» (٦٤- ٦٥: الأحزاب) ؟

ما تأويل هذا؟ وقد جاء الخلود مؤكدا بالتأبيد، لأصحاب النار فى النار، ولأصحاب الجنة فى الجنة؟

والجواب- والله أعلم- أنه لما كان قوله تعالى: «خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ» يشعر بأن هذا الخلود، هو خلود قائم على حال واحدة، لا تتحول فيه بأهل الجنة أو النار الأحوال، ولما كان مثل هذا الخلود المطّرد على وجه واحد، هو شبيه بالعدم، لا يجد فيه المنعّم طعم النعيم، ولا يذوق منه المعذّب آلام العذاب، بعد أن يدوم ويتّصل على هذه الصورة المطردة- لما كان ذلك مما يمكن أن يفهم من قوله تعالى: «خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ» - فقد جاء قوله سبحانه: «إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ» استثناء من مفهوم الخلود المطّرد، الذي يقع تحت مشيئة الله، فتجرى عليه أحكام التبديل، والتحويل، الذي هو سنّة الله فى خلقه، كما يقول الحقّ جلّ وعلا: «يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ» (٢٩: الرحمن) .

وعلى هذا، فإن خلود أهل الجنة فى الجنة، وخلود أهل النار فى النّار ليس على صورة واحدة، لا تتغير أبدا، ولا تنتهى أبدا.. إذ لو كان ذلك لكان معناه المشاركة لله سبحانه فى دوامه الأبدى، المنزّه عن التحول والتبدّل..

ولكن خلود أهل الجنة وأهل النار، إنما هو خلود يصحبه تنقّل من حال

<<  <  ج: ص:  >  >>