يشكّلون من هذه الأحرف الكلمات التي ينطقونها، ويصورون منها صورا تكتب وتقرأ.
«الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ» ..
فى وصف الكتاب هنا بأنه مبين، توكيد لوصفه بأنه «حكيم» وبأنه «كتاب أحكمت آياته» . إذ أن الحكمة لا تكون حكمة، والحكيم لا تتم حكمته، حتى تخرج تلك الحكمة على صورة واضحة مشرقة، يرى الناس على وجهها أضواء المعرفة، وإلا كانت حكمة مضمرة، لا ينتفع بها، أشبه باللئالئ فى أصدافها، أو فى أغوار الماء! فالمبين، مبين وحكيم معا.
ومن بيان القرآن، الذي يكشف عن الحكمة المشتمل عليها، أنه جاء إلى من يخاطبهم باللسان الذي يحسنون التفاهم به، وهو اللسان العربي..
ولو جاءهم بغير هذا اللسان، لما عقلوا منه شيئا، ولما انتفعوا به، ولأفلت من أيديهم كلّ ما اشتمل عليه من حكمة..
وإنه ليس بالحكيم من يخاطب النّاس بالأسلوب الذي لا يفهموته، وباللغة التي لا يحسنون الفهم عنها.. إنه حينئذ لا يجد أذنا تصغى إليه، ولا قلبا ينفتح له، ولا عقلا يتجاوب معه.. إنه يكون فى واد والناس فى واد، إذ يحدثهم بأصوات لا مفهوم لها عندهم.
ولهذا، فقد كان من مقتضيات البلاغة، ومن بلاغة البليغ مراعاة مقتضى الحال، فلكل مقام مقال- كما يقولون، فلا يخاطب الجاهل خطاب العالم، ولا العالم خطاب الجاهل، ولا البدوىّ بمفاهيم الحضرىّ، ولا الحضرىّ بمفاهيم البدوىّ.. وإلا فقدت اللغة قيمتها، وضاعت معالمها، وأصبحت أشبه بالنقد الزائف، الذي ينكره الناس، ولا يتعاملون به.