والدم الذي جاءوا به، هو دليل رابع على أن القصة ملفّقة.. فماذا يحملهم على حمل هذا الدم إلى أبيهم.؟ أليسوا هم أولياء هذا الدم وأهله؟ وهل يجد ولىّ الدم قدرة من نفسه على حمل إصبع، أو عين، أو رأس، من ابنه أو أخيه المقتول، ثم يطوف بها، ويقلبها بين يديه، ويعرضها على الأنظار؟ ذلك مالا يكون، لو أن الذئب كان حقّا هو الذي عدّا على يوسف وأكله! وإذا كان لا بد من مجىء شاهد من هذا القتيل، فإن الدم لا يقوم شاهدا أبدا، إذ ما أيسر أن يحصل الإنسان على الدم الذي يريد.. من إنسان، أو حيوان بل ومن نفسه أيضا.. فليكن الشاهد إذن، رأسه، أو رجله، أو يده.. إذ من غير المعقول أن يأتى الذئب على كل أجزاء ضحيته.. وخاصة إذا كان غلاما فى سن يوسف، الذي قيل إنه كان فى العاشرة أو أكثر من عمره! ويقرر علم الإجرام، أن المجرم، مهما كان ذكيا حذرا، لا بد من أن يترك أثرا يدل عليه، وأن يقع فى تدبيره خلل ما، يكون مفتاحا للكشف عنه! قيل إن القميص الذي جاءوا به ملطخا بالدم، كان سليما لم يمسّه الذئب المزعوم، بظفر أو ناب!! قالوا: ولهذا عجب يعقوب من هذا، وقال متهكما:
«تا الله ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من هذا.. أكل ابني ولم يمزّق قميصه!!؟
- وفى قوله تعالى: «بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً» اتهام صريح من يعقوب لبنيه، وأن ذلك الأمر الذي فعلوه إنما هو مما سوّلته لهم أنفسهم، أي زينته لهم، وأغرتهم به.. ولكنه لا يملك شيئا يفعله إزاء هذه المحنة، إلا الصبر: