للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، وأنه ربيب نعمتها، ونزيل بيتها.. وأن لها أن تأمر وعليه أن يطيع..

ولكنها جاءته مترفقة، متلطفة.. إذ كان هذا الأمر الذي تدعوه إليه لا يجاء له بأسلوب الأمر والقهر! - وفى قوله تعالى: «وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ» إشارة إلى أنها هى التي تولت بنفسها الإعداد لهذا الأمر الذي دعته إليه.. فهى التي راودته عن نفسه بما ألقت إليه من كلمات، وإشارات، وتلميحات.. وهى التي غلقت الأبواب، فكانت تلك دعوة صريحة منها إليه.. ثم هى التي- حين رأت أن ذلك كله لم يدعه إليها، ولم يقرّ به منها- دعته إلى نفسها، وقالت:

«هَيْتَ لَكَ» أي هأنذا لك، فأقبل! وهذا ما لا تفعله الحرّة ذات الجاه والسلطان، إلا إذا كانت قد استبدّت بها الرغبة، ثم لم تجد من الجانب الآخر استجابة منه لها.. عندئذ تخلع عذار حيائها، وتتخلّى عن مكانتها كامرأة تطلب ولا تطلب! .. وفى كل هذا ما يحدّث عن تعفّف يوسف عليه السلام، وامتلأ كه لداعى الشهوة أمام هذه المغريات، التي تنحلّ لها عزمات الرجال، وتطيش معها أحلام ذوى الحلوم! «قالَ مَعاذَ اللَّهِ.. إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ.. إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ» ومع كل هذا الذي ساقته المرأة إلى يوسف- عليه السلام- من جمالها، وسلطانها، ومن تلطّفها به، واستدعائها له، وعرض نفسها عليه، ومع هذا الشباب المتفجّر فيه، والدماء الحارة المتدفقة فى عروقه- فإنه اعتصم بدينه، واستمسك بمروءته، فلم يقبل هذه الدعوة الآثمة، قائلا: «مَعاذَ اللَّهِ» أي عياذا بالله، ولجأ إليه لدفع هذا المكروه عنّى..

- «إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ» - أي إن هذا الفعل فوق أنه عصيان لله، وتعدّ لحدوده، هو خيانة للمروءة، وإنكار لإحسان هذا السيد الذي رباه،

<<  <  ج: ص:  >  >>