يعدن يدرين ماذا يمسكن فى أيديهن.. وفى حركات لا شعوريّة أعملن السكاكين فى أيديهن، فأصابت منهن ما كان من شأنه أن يصيب الفاكهة منها.. فسالت الجروح، ونزفت الدماء!! وعندئذ تنبهن إلى وجودهن..
«وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ.. ما هذا بَشَراً..! إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ» !! عندئذ استوثقت امرأة العزيز مما وقع فى قلوبهن من يوسف، فصرّحت يمكنون سرّها، ووجدت أن ذلك ليس مما يعيبها، إذ كان الأمر أكثر مما تحتمله هى أو غيرها من النساء، فى مواجهة هذه المعجزة التي لا قبل للنّاس أن يتحدوها.
«قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ» وهكذا كان انتقام المرأة لنفسها ممن أظهرن الشماتة بها.. لقد أذاقتهن من نفس الكأس التي شربتها، فسكرن سكرتها، ووقعن أسيرات لهذا الجمال الآسر، وعشن معها بهذا الداء، يعالجنه، ويطلبن الشفاء له.. وهكذا أخرست تلك الألسنة التي كانت تذيع قالة السوء فيها، فشغلت كل واحدة منهن بهمومها، وأشجانها، مع هذا الجمال الملائكى القاهر.
أما يوسف- عليه السلام- فقد تضاعفت محنته، وتكاثرت حوله الفخاخ والشباك المنصوبة لصيده، والكيد له، ولم يكن له إلا ربّه- سبحانه وتعالى- يطلب العون منه، والحماية والصون ممّا يكاد له.