بالكشف لهما عن تأويلهما، إذ كانت إحداهما تحمل الموت إلى صاحبها، على حين تحمل الأخرى لصاحبها الحياة والخلاص من السجن.. فآثر أن يتريث قليلا، ولا يكشف لهما عن هذا الجانب المحزن من الرؤيا..
ثم أخذ يحدثهما عما علّمه الله من علم، وأنه إذا كان سيكشف لهما عن تأويل رؤياهما، فذلك مما علّمه الله، الذي يؤمن به، بل إن الله سبحانه قد علّمه أكثر من تأويل الأحاديث، فهو- بما علمه الله- يستطيع أن يخبرهما عن أىّ طعام يحمل إليهما، قبل أن يأتيهما، وذلك على نحو ما كان لعيسى عليه السلام، إذ يقول لبنى إسرائيل:«وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون فى بيوتكم»(٤٩: آل عمران) .
ويثير هذا الحديث تساؤلات كثيرة عن صاحبى السجن، تدور فى رأسيهما، وتظهر على قسمات وجهيهما.. يبحثان عن هذا «الربّ» الذي يعلّم المؤمنين به، والعابدين له، هذا العلم.. إن لهما أربابا كثيرة، فلم لم تمنحهما شيئا من هذا العلم؟ وهل ربّ يوسف هذا على غير شاكلة الأرباب التي يعرفونها ويعبدونها؟
ويراها «يوسف» فرصة سانحة، للدعوة إلى الله، وإلى هداية هذين الضالّين إلى الإيمان، فيكشف لهما عن وجه الحق، ويفتح لهما الطريق إلى ربّه الذي يعبده! - «إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ» .. إذن فقد كان من يوسف عمل، حتى وصل إلى ما وصل إليه، وهو أنه ترك دين قوم لا يؤمنون بالله، وهم بالآخرة هم كافرون. وإذن فإنهما إن أرادا أن يلحقا به، فليتركا ملّة من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، كما ترك هو ملّة من لا يؤمن بالله، واليوم الآخر!