أنهم إخوة لأب، وأنهم كانوا اثنى عشر أخا، تخلّف أحدهم، وهو أخوهم من أبيهم، وفقد الأخ الآخر صغيرا.. فهم الآن أحد عشر أخا.. عشرة عنده، وواحد عند أبيه! ولأمر ما طلب يوسف أن يأتوه فى المرّة الثانية بهذا الأخ الذي خلّفوه وراءهم، ليأخذ حظه من الكيل مثلهم، وقد أغراهم بهذا، بقوله:«أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ؟» أي ألا ترون أنى أعطى كل ذى حق حقّه، ولا أبخس الناس أشياءهم، وأنى أنزلهم منازلهم، وأوفر لهم أسباب الأمن والراحة؟ .. ثم تهدّدهم بعد هذا بقوله:
سنراود عنه أباه: أي سنحتال عليه فى طلبه، ونترفق به فى هذا الطلب، والمراودة استدعاء للإرادة، واسترضاء لها بقبول ما يراد.. ولقد فهم «يوسف» من هذا أنّهم على خوف وإشفاق أن يطلبوا من أبيهم هذا الطلب الذي يبدو غريبا، لا مسوّغ له، كما أدركوا هم أن يوسف يشكّ فى قولهم هذا:«سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ» وأنهم إنما قالوا هذا القول عن يأس من تحققه، فأكّدوا له ذلك بقولهم «وَإِنَّا لَفاعِلُونَ» .. أي لقادرون على أن نحمل أبانا، بحسن حيلتنا، على أن يجيبنا إلى هذا الطلب «وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» .