السقاية دورتها وتعود إلى العزيز مرة أخرى «ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ» ..
فهو الذي جعلها فى وعاء أخيه، ثم هو الذي استخرجها من وعاء أخيه.
قوله تعالى:«كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ» .
الكيد التدبير المحكم، وفى نسبة الكيد والتدبير إلى الله سبحانه وتعالى إشارة إلى ألطافه بيوسف، ورعايته وتولّيه له، وأنه سبحانه هو الذي يدبّر هذا التدبير المحكم، وأنه بمثل هذا التدبير الذي دبّره له، بلغ ما بلغ من منازل العزة والسيادة.. وتسمية تدبير الله كيدا، تقريب لمفهومه المتعارف بين الناس، وذلك أنه إذا كان التدبير محكما، تتشعب مسالكه، وتتباعد أسبابه- ثم تلتقى جميعها آخر الأمر، فتقع على الهدف المراد- كان هذا التدبير كيدا، وإلى هذا يشير قوله تعالى:«إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً»(١٥- ١٦: الطارق) .
قوله تعالى:«ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ» أي أنه ما كان يقع فى تقديره أبدا أن يدخل أخاه فى سلطان الملك، فيصبح رجلا من رجال دولته.. ولكن بمشيئة الله وتقديره، كان هذا الذي لم يكن متصوّرا، ووقع ذلك الذي لم يكن متوقعا.
قوله تعالى:«نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ» أي بيدنا الملك، فنهب ما نشاء لعبادنا المخلصين من برّ وإحسان، ومن علم ومعرفة!.
قوله تعالى:«وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ» إشارة إلى أن ما بلغه يوسف من علم، هو علم قليل، لا يوازن ذرة من علمنا.. وأن هذا العلم الذي معه، والذي بلغ به هذه المكانة فى الناس- هذا العلم فوقه درجات كثيرة من العلم.. وفوق هذه الدرجات درجات.. وهكذا حتى تصبّ جميعها فى محيط العلم الإلهى الذي لا حدود له..