يؤمنون بالغيب.. والغيب ما خرج عن متناول الحواس، وإدراك العقل.
والإيمان بما يجىء من عالم الغيب، لا معتبر له إلا إذا كان مستنده إلى جهة لا يتطرق الكذب إليها، وإلا كان التصديق بما يخبر به العرافون والكهنة وغيرهم ممن يدّعون علم الغيب. إيمانا، وهو ليس من الإيمان فى شىء، وإنما المراد بالإيمان هنا ما يخبر به رسل الله وأنبياؤه أقوامهم، من أمر البعث، والحساب، والجنة، والنار، ونحو هذا، مما هو من أنباء الغيب، التي لا تقع لعلم الناس، ولا تستجيب لمدركاتهم.
فأول صفة من صفات المتقين، هى الإيمان بتلك الغيبيات، على الصورة التي يخبر بها الرسل، حيث تلقّوا الأخبار عن تلك الغيبيات، وحيا من الله، وهم الأمناء على ما أوحى إليهم من ربّهم.
فلا إيمان لمن لا يؤمن بالله، ولا إيمان بالله لمن لا يؤمن برسل الله، ولا إيمان برسل الله لمن لا يؤمن بما يحمل رسل الله من رسالات، وما يبلغون من أوامر ونواه، وما يلقون من أخبار.
وملاك التقوى هو الإيمان، فلا تقوى لمن لا إيمان له، فإذا جاء الإيمان على تلك الصورة، كان داعية لأن يقيم الإنسان على طريق التقوى، وأن يؤهّله لتلك الصفات التي وصف الله سبحانه بها المتقين: الذين يقيمون الصلاة وينفقون مما رزقهم الله، ويؤمنون بما نزل على محمد، إيمانا مفصلا، وبما أنزل على الرسل من قبله، إيمانا مجملا، ثم ينتهى بهم ذلك الإيمان إلى الإيمان باليوم الآخر، وما فيه من حساب، وثواب، وعقاب وجنة ونار.. وعندئذ يصبح المؤمن المستكمل لتلك الصفات مؤهلا لأن يحسب من المتقين، ويدخل فى عدادهم.