للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ.. وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ» .

المثلات: جمع مثلة، وهى الحدث الذي يقع فيكون مثلا مضروبا، فى شناعته، وسوء وقعه، حيث يستحضره الناس عند كل أمر، تبدو فيه ملامح لهذا الحدث، فيكون ذكره مغنيا عن كل وصف.

والواو فى قوله تعالى: «وَيَسْتَعْجِلُونَكَ» للاستئناف، بخبر جديد من أخبار هؤلاء المكذبين بيوم البعث..

- وفى قوله تعالى: «وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ» - إشارة إلى أنهم لم يقفوا عند حدّ الكفر بالله، وإنكار يوم البعث، بل جاوزوا هذا إلى التحدّى، إمعانا فى الكفر، ومبالغة فى الإنكار، فقالوا ما حكاه القرآن عنهم:

«وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ» (٣٢: الأنفال) .. وهذا من غباوتهم وحمقهم وسفههم.. ولو أنهم كانوا على شىء من العقل والإدراك، لكان لهم فى باب الأمانىّ الطيبة متسع، ولما رموا بأنفسهم فى هذا الوجه المهلك، الذي إن جاء على غير ما قدّروا، كان لهم فيه البلاء المبين، والعذاب الأليم.. وما لهم لو قالوا: اللهم إن كان هذا هو الحقّ من عندك فاهدنا إليه، واشرح صدورنا له؟ .. فإن كان حقّا أخذوا بحظهم منه، وعافاهم الله من البلاء.. وإن كان غير حقّ لم يخسروا شيئا؟ ولكنه الضلال الذي يستحوذ على أهله، فيدفع بهم إلى كل مهلكة، وما لهم لو أخذوا بقول الرجل المؤمن من آل فرعون: «وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ» (٢٨: غافر) - وفى قوله تعالى: «وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ» - الجملة هنا حالية، وهى فاضحة لغباوة هؤلاء المشركين، وما استولى عليهم من ضلال وسفه..

<<  <  ج: ص:  >  >>