ومن تدثّر بالليل واستتر به عن العيون، كمن هو سارب: أي متحرك، بالنهار.. الله يراه فى ظلمة الليل، كما يراه فى ضوء النهار.. «لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» .
أي إن لهذا الإنسان الذي يسرّ القول ويخافت به، أو يظهره ويجهر به، أو يحتجب عن الأنظار فى ظلمة الليل أو يتحرك بين الناس فى وضح النهار- هذا الإنسان موكّل به من قبل الله، جند يحفظونه، ويحرسونه، ويرصدون كلّ نفس يتنفّسه، وكلّ خاطر يخطر له، أو طرفة عين يطرفها، أو خفقة قلب يخفقها.. إنه حيث كان، وعلى أي حال كان، هو تحت هذه المراقبة التي لا تغفل، وبين هذه الحراسة التي لا تنام.. فأنّى له أن يخلص إلى نفسه، أو يخلو إلى وجوده، دون أن ترقبه هذه العيون الراصدة المتعقبة له؟
- وفى قوله تعالى «مُعَقِّباتٌ» إشارة إلى أن هؤلاء الجند، يرون الإنسان من حيث لا يراهم، وأنهم أشبه بمن يتبع الإنسان من وراء عقبه، دون أن يراه أو يحسّ به، وهم- مع هذا- بين يدى الإنسان ومن خلفه.
- وقوله تعالى:«يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ» .. أمر الله هنا، معناه تقديره، وحكمه، كما يقول سبحانه:«أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ»(٥٤: الأعراف) والمعنى: أنهم يحفظونه بما أمروا به من تقدير الله، وحكمه، وقضائه فى عباده.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ»(٢: النحل) .. وقوله سبحانه:«وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا»(٥٢: الشورى) وقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ» فى هذه الآية الكريمة أمور: