منطلقا بقوة اليقين- فمثل هذا الذكر لا يعدو أن يكون أصواتا مرددة، أشبه بالجثث الهامدة.. لا روح فيه، ولا معقول له.. ومن هنا تكون آفته، فلا يطمئن به قلب، ولا ينشرح به صدر..
أما الذكر الذي يقول فيه سبحانه وتعالى:«الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ.» ثم يؤكده بقوله: «أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» فهو الذكر الذي ينبعث عن إيمان، فتهتزّ له المشاعر، وتدفأ به الصدور، وتطمئن به القلوب.. ولهذا قدّم سبحانه الإيمان على الذكر.. حتى يكون للذكر أصل يرجع إليه، ومنطق بنطق منه، وهو الإيمان.. فإذا ذكر المؤمن بالله ربّه، غرّدت فى نفسه بلابل البهجة، وزغردت فى صدره عرائس الرضا، واستولت عليه حال من الشجا الممزوج بالنشوة، حتى ليكاد يكون كلّه عاطفة ترفّ بجناحي الصبابة والوجد، وتحلّق فى سماوات عالية، مشرقة بنور الحق، معطرة بأريج الصفاء والطهر.
ولا يكون الذكر لله ذكرا يثمر هذه الثمرة، التي يطمئن بها القلب، إلا إذا انبعث من قلب عارف بالله، مدرك لما ينبغى له سبحانه، من صفات الكمال والجلال، فذلك هو الذي يفيض على القلب خشية عند ذكر الله، وهو الذي يستثير مشاعر الولاء لله، والإخبات له، فتقشعر الجلود، وتدمع العيون..