وننظر فيها على هذا الفهم الذي فهمناها عليه، فنجد بيانا معجزا، ونظما متفردا بالجلال والروعة، والإعجاز، وإن بدأ فى النظرة الأولى أنه غير جار على مألوف النظم، الذي تتشابك أطرافه، وتتماسك مقاطعه.. حتى لقد ذهب المفسّرون فى هذا مذاهب كثيرة، كلها ليس فيها ما تقع صدى أو يشفى غليلا.. وكان أهداهم سبيلا من تأول قوله تعالى:«أَفَلَمْ يَيْأَسِ» بمعنى أفلم يعلم، وجاء بشاهد من الشعر يشهد لهذا المعنى.. وهو تأويل فاسد متهافت.. وقد استعمل القرآن فعل اليأس هذا فى مواضع كثيرة من القرآن، فلم يكن فى موضع منها ما يشهد لهذا المعنى! وكان من أشنع المقولات التي قيلت هنا، هى قول من قال: إن ييئس بمعنى يتبيّن، وأن كاتب المصحف قد خلط فسوّى رءوس السّينات فى «يتبيّن» فقرئت «ييئس» !! وهذا قول ساقط، لا يستحق أن نلتفت إليه، أو نلقى إليه بالا.. فإن القرآن الكريم لم يودع فى المصاحف إلا بعد أن أودع فى صدور الكرام الحافظين من الصحابة والتابعين.. فكان المحفوظ فى الصدور مهيمنا على ما كتب الكاتبون من كلام الله! والعجب أن يقال مثل هذا القول الشنيع فى تفسير من التفاسير المعتمدة، ولو على سبيل النقل والحكاية.. فإن فى ذلك طعنا فى صحة القرآن الكريم، ومدخلا للشك فى حفظه من التحريف.. الأمر الذي لا يطلب أعداء هذا الذين سلاحا أمضى من هذا السلاح، لطعنه طعنة فى الصميم..!!